لا تكن متاحا 7/24

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لا تكن متاحا 7/24, اليوم الخميس 26 يونيو 2025 12:33 صباحاً


عبارة تسويقية نراها على بعض المحلات أو ماكينات الصرف الآلي 7/24 وتعني على مدار الساعة خلال أيام الأسبوع؛ أردت من هذا المقال إسقاط عكس هذه العبارة حتى نحافظ على حياتنا التعاملاتية وعلاقاتنا التبادلية ونستبقيها في حالة صحية؛ وبين الحكمة النفسية وحماية الذات يقول عالم النفس كارل يونج وهو أحد أهم مؤسسي علم النفس التحليلي «لا تكن متاحا دائما، فذلك يُقلل من قيمتك ويستهلك طاقتك» ورغم بساطة العبارة، لكنها تختزل رؤية نفسية عميقة حول الإنسان، وقيمته الذاتية، وتواصله بالآخرين.

رأى كارل يونج النفس البشرية كوحدة متكاملة وركز عليها كجزء متماسك من الوعي واللاوعي، كالحوافز الظاهرة والمكبوتة، والذات الفردية والاجتماعية بأن تستمر في حالة اتزان لتحقيق النمو النفسي والاستقرار الروحي.

وفي ضوء هذه الرؤية، فإن الإفراط في التوفر يُضعف من قيمة الذات وعندما يتاح الإنسان دائما، في كل وقت وكل مكان، دون وضع حدود، فإنه يرسل للمحيط إشارات ضمنية بأن وقته غير ثمين، ولا يملك أولويات داخلية، وموافق دائما على التضحية بنفسه من أجل الآخرين؛ والواقع أن من لا يقدر نفسه، لن يفرض على الآخرين أن يقدروه. فالقيمة تأتي من الندرة، والاختيار الواعي.

رسم الحدود النفسية ضرورة من المفترض أن نستشعرها في العلاقات، فالإنسان بحاجة لمساحة شخصية يعيد من خلالها بناء نفسه، ليفهم أعماقه، ويتأمل دوافعه، والتوفر الدائم يسرق من الإنسان هذه المساحة، ويتركه غريبا عن ذاته، أسيرا لتوقعات الآخرين؛ فالحدود ليست أنانية، بل هي وسيلة لحماية الطاقة النفسية، وإعادة شحن الذات.

كما أن الإتاحة الدائمة تؤدي إلى الاستنزاف العاطفي، وهو تنبيه لأهمية مراعاة احترام اللاوعي، الذي يرسل إشارات بالتعب أو الضغط من خلال تعكر المزاج أو القلق المتكرر، ومن يتجاهل هذه الإشارات يفقد البوصلة، ويقع في فخ الإرهاق والإجهاد، الذي يسلب الراحة، ومن يعطي كثيرا دون توقف، يُنظر إليه على أنه ضمان وليس شريكا فاعلا، بينما من يحدد أوقات حضوره وانسحابه، يخلق مساحة للاشتياق، والتقدير للقيمة، وهنا نستحضر المثل العربي «زُر غُبا تزدد حُبا».

كيف نطبق قاعدة «لا تكن متاحا دائما» بطريقة عملية؟ هنالك آليات يمكننا تطبيقها كوضع الأطر الواضحة لوقتك وجهدك؛ كذلك لا تستجب فورا لكل رسالة أو طلب ليس ضروريا أو أنه ليس في دائرة المهم؛ أيضا خصص وقتا يوميا لنفسك دون مقاطعة؛ لا تخف ولا تخجل من أن تقول «لا» عندما تحتاجها؛ وأخيرا راقب طاقتك المشاعرية في كل مرة واستجب لها.

عندما تدرك معنى المساحة الخاصة ستعي بأنك تحترم ذاتك لتعيد إليها الاتصال بالعمق النفسي، «لا تكن متاحا دائما» ليست دعوة للانعزال، بل تحفيز لاكتشاف القيمة في الندرة، والوعي، والاختيار الذكي بأن لنفسك عليك حق.

Yos123Omar@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق