نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الطاقة النووية وسياحة الإشعاعية!, اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 12:30 صباحاً
آه، المفاعلات النووية! تلك التحف الهندسية الفيزيائية التي تبشر العالم بطاقة نظيفة ورخيصة، وكأنها وصفة سحرية خالية من المتاعب. لكن، دعونا نسرد سريعا الحوادث العابرة في تاريخ البشرية المشرق مع الطاقة الذرية، في عالم الكوارث النووية النظيفة، حيث تأتي بثمن باهظ، سنستعرض أبرز تلك البصمات التي خلفتها حوادث التشغيل، لتكشف لنا عن تحدياتها التي، للأسف، لا تزال تهدد كوكبنا.
شهدت جزيرة ثري مايل آيلاند في 1979، بأمريكا ما يمكن وصفه بـ(بروفة نووية محدودة النتائج). بدأت بأعطال فنية وأخطاء بشرية أدت إلى انصهار جزئي لقلب المفاعل.
لكن لحسن حظهم، صمد نظام الاحتواء، فكان التسرب الإشعاعي محدودا، ولم تُسجل وفيات. رغم أن الحادث هز ثقة الجمهور بالطاقة النووية، إلا أنه دفع العالم نحو تشديد معايير السلامة عالميا.
جاءت كارثة حادثة تشرنوبل 1986م، لتظهر للعالم أن الطاقة النظيفة قد تتحول لكابوس، فخلال اختبار روتيني، حدثت سلسلة من الأخطاء التشغيلية وتصميم المفاعل أدت إلى انفجار هائل، أثبتت الكارثة أن الآثار النووية تتجاوز الحدود الجغرافية للدول، لتلوث مساحات شاسعة.
امتد التأثير، تلوثت بشكل مباشر أوكرانيا (حيث هناك منطقة الاستبعاد المحظورة لليوم)، وأجزاء الحدودية من بيلاروسيا، وروسيا.
امتد تأثير السحابة الإشعاعية بشكل غير مباشر إلى أجزاء كبيرة من أوروبا، بما في ذلك الدول الاسكندنافية، بولندا، ألمانيا، التشيك، رومانيا، بلغاريا، اليونان، تركيا، والمملكة المتحدة، وإن كان بمستويات أقل. بالمناسبة، السحابة الإشعاعية تسببت باعتراف الاتحاد السوفيتي بالحادث، للمزيد من الإثارة السحابة الإشعاعية كـ«سحابة» لم يكن لها لون مرئي، مما يعني صعوبة إدراك وجودها إلا بعد ظهور الأعراض أو قياس مستويات الإشعاع. لكن تسببت أيضا بسقوط مطر أسود! هل ما زلت تؤمن بمقولة طاقة صديقة للبيئة؟ لا أدري متى ستمحى هذه الدعاية.
لم تقتصر آثار الكارثة على اللحظة الراهنة؛ ارتبطت بآلاف حالات السرطان وتأثيرات صحية طويلة الأمد على السكان المتعرضين للإشعاع.
ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية والغابات ومصادر المياه والتربة تلوثت، مما جعل مناطق شاسعة غير صالحة للسكن أو الزراعة لعقود. هل سمعت عن الغابة الحمراء؟ أحد أشكال هذا التلوث.
هل سمعتم بموضة السياحة الإشعاعية؟ ليست جزر المالديف، بل وجهة «مُشعّة» بالمعنى الحرفي! تلك النزهة الفريدة إلى قلب المناطق التي ما زال الإشعاع فيها يُحْدِثُ فرقا»، في هذه الجنة المحظورة، حيث يُمنع على العامة العيش بشكل دائم لأسباب صحية بحتة بالطبع، يُسمح للسياح الشجعان، برفقة مرشدين متخصصين يَعِدون بالسلامة، بالتوغل في أعماق منطقة الاستبعاد. يزعمون أن المستويات الإشعاعية منخفضة نسبيا، آمنة لزياراتكم القصيرة، هل أنت مستعد للتجربة وللمخاطرة؟
الغريب أن هذه المنطقة، التي كانت يوما مسرحا لكارثة، قد تحولت إلى محمية، الحياة البرية والنباتات تنمو هناك بلا قيود، وكأنها تستمتع بعطلة دائمة بعيدا عن البشر. إنها حقا «محمية إشعاعية» غير مخطط لها!
ولكن، لا يغرنّك هذا الجمال. فمجرد شرارة واحدة، وحريق غابة عابر، كفيل بإعادة إطلاق كل تلك «الكنوز» الإشعاعية والنظائر المدفونة في التربة والنباتات، لتعود لتنعش الغلاف الجوي من جديد!
وقد أدت الحرب الروسية لأوكرانيا منذ 2022م إلى اقتراب النشاط العسكري من المنطقة، مما أثار مخاوف بشأن تسرب الإشعاع. (ما علينا فالأغلب لن يعرف أحد ما يجري حقا!).
لكن ما يعرفه العالم أن تشرنوبل كانت علامة فارقة في انقسام العالم بالفعل في مواقفه تجاه الطاقة النووية، بعض الدول قللت وأوقفت برامجها، مثل النمسا (لم تشغل محطاتها التي بنتها)، وأوكرانيا أغلقت آخر مفاعل عام 2000، وألمانيا التي خفضت برامجها وبعد حادثة فوكوشيما تبنت سياسة الإغلاق الكامل بحلول 2023. بينما استمرت دول أخرى بالتوسع، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الصين، روسيا، وكوريا الجنوبية.
كما كانت هذه الكوارث علامة فارقة في تصميم ومراجعة معايير السلامة وتطوير المفاعلات. هل كانت المفاعلات أكثر أمانا فعلا؟ أم أن كارثة فوكوشيما قدمت درسا قاسيا حول التعقيدات والمخاطر الكامنة في الطاقة النووية!
بعد مرور حوالي خمسة وعشرين عاما على تشرنوبل، جاءت كارثة فوكوشيما دايتشي في 11 مارس 2011م التي تُعد ثاني أخطر كارثة نووية في التاريخ، لتذكيرنا بأن المفاعلات ليست أكثر أمانا فعلا، فبينما تسبب زلزال توهوكو بقوة 9 درجات بإيقاف المفاعلات تلقائيا، جاء التسونامي الهائل ليغمر ويدمر أنظمة التبريد الاحتياطية.
أدى فقدان التبريد إلى ارتفاع درجة حرارة الوقود وحدوث انصهار جزئي لقلب ثلاثة مفاعلات، تبعته انفجارات أطلقت كميات كبيرة من المواد المشعة إلى البيئة، بما في ذلك المحيط الهادئ. أسفرت الكارثة عن إجلاء عشرات الآلاف من السكان وتلوث واسع النطاق للأراضي والمياه بالإشعاع، مما أثار مخاوف بشأن الآثار الصحية طويلة المدى. دفعت هذه الكارثة اليابان في حينها إلى تعليق جميع مفاعلاتها النووية مؤقتا للتأكد من سلامتها.
لكن بعد الكارثة اليابان بدأت في 2023 بتصريف أكثر من مليون لتر من المياه المعالجة من منشأة فوكوشيما النووية في المحيط الهادي. هذه المياه، الناتجة عن تبريد المفاعلات المتضررة من زلزال وتسونامي 2011، تمت معالجتها لإزالة معظم المواد المشعة باستثناء التريتيوم، وهو نظير مشع منخفض الإشعاع (هكذا قيل لنا!).
لماذا التصريف؟ الموقع بلغ طاقته القصوى في التخزين، وعملية التصريف ستستمر حتى 2050 بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن، لا تقلقوا، بينما تطمئن وتروج اليابان والخبراء العالميون بأن مستويات التريتيوم في مياه فوكوشيما «أقل بكثير» من المعايير، وأن محطات نووية أخرى تقوم بالممارسة الطبيعية نفسها منذ عقود دون أي آثار تذكر على الصحة أو البيئة، رفضت منظمات بيئية هذه التطمينات. وعلى إثرها حظرت الصين المنتجات البحرية اليابانية لمدة عامين، وفي هذا العام في يونيو 2025 رفعت الحظر. حتى كوريا الجنوبية أخذت منحى الحظر لسنوات من المنتجات البحرية من اليابان!
ختاما: بجعبة التاريخ النووي قصص نرويها في مساحة الفضفضة بالطاقة النظيفة صديقة البيئة! هل نعي ثمن مخاطر المفاعلات النووية؟ هل نحن مستعدون لقصص الحروب والمفاعلات النووية والأغراض العسكرية؟
للحديث بقية.
ALalabani_1@
0 تعليق