منافسة وتعاون.. الذكاء الاصطناعي يطارد الفن

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف


في قضية الصراع التكنولوجي مع دخول الذكاء الاصطناعي مجالات الفنون المختلفة، تثار مخاوف من تغلغل سطوته في ظل مطاردته لإثبات وجوده في القطاع الفني.


وفي منتصف القرن العشرين، ومع الانتشار السريع للتلفاز، سادت المخاوف من أن يكون هذا الابتكار التكنولوجي بداية نهاية السينما، فقد بدا أن الجمهور لم يعد بحاجة إلى مغادرة منازلهم للاستمتاع بالترفيه، ما دفع البعض إلى التنبؤ بما أطلقوا عليه «موت السينما». لكن الواقع أثبت العكس، وأظهرت السينما قدرة على التكيف والبقاء عبر التحديث والإبداع.


واليوم، تعود هذه المخاوف لتتجدد، ولكن هذه المرة مع بروز الذكاء الاصطناعي، الذي يُنظر إليه من قبل البعض باعتباره تهديداً للصناعات الإبداعية، غير أن تجربة السينما مع التلفاز تقدم دروساً مهمة في كيفية التعايش مع التكنولوجيا الجديدة، بل واستثمارها لتحقيق النمو والتطور.


حتى قبل الانتشار الواسع للتلفاز، بدأت استوديوهات مثل «باراماونت» الشهير بأمريكا في استكشاف إمكانياته، مستثمرة بشبكات البث الناشئة، وسرعان ما اتجهت الاستوديوهات الكبرى إلى تأسيس شركات إنتاج تلفزيوني، مثل «سكرين جيمز» التي أنشأتها كولومبيا عام 1951، وعاودت باراماونت الاستثمار في شبكة «إيه بي سي» عام 1952. وبحلول ستينيات القرن الماضي، أصبحت استوديوهات هوليوود مسؤولة عن إنتاج معظم برامج التلفاز في أوقات الذروة.


تحولت العلاقة بين السينما والتلفاز من صراع إلى تعاون. بعد تفكك نظام الاستوديوهات في أواخر الأربعينيات، وجد العديد من العاملين في السينما فرص عمل جديدة في التلفاز، بينما استُخدم التلفاز كمنصة للترويج للأفلام، كما حدث مع برنامج «ديزني لاند». بل تحول التلفاز إلى وسيلة رئيسية لعرض الأفلام، سواء من خلال البرامج أو خدمات البث اللاحقة.


كذلك، أعادت استوديوهات كبرى اكتشاف قيمة أرشيفاتها السينمائية، من خلال بيع حقوق العرض التلفازي، كما فعلت «إم جي إم» و«باراماونت»، ما وفر لها عوائد مالية ضخمة ساعدت في تمويل الابتكار السينمائي.


وللتميز عن التلفاز، لجأت السينما إلى تقديم تجربة فريدة لا توفرها الشاشات الصغيرة، مثل استخدام الشاشات العريضة، والأصوات المجسمة، والألوان الموحدة، وحتى تقنيات غير تقليدية.


كما عمدت إلى تقديم محتوى أكثر جرأة، مستفيدة من التحرر التدريجي من القيود الرقابية، وهو ما جعل الأفلام تتناول مواضيع أكثر تعقيداً وحساسية، مثل العلاقات الإنسانية والسياسية والاجتماعية.


المخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك كان أحد أبرز من جسد هذا التمايز، مستفيداً من فريق عمله التلفازي لإنتاج أفلام سينمائية ذات بعد بصري وجمالي عالٍ، كما في فيلم «سايكو».

دروس في التكيف


مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى ميادين الكتابة والتصميم والإنتاج الفني، تتزايد المخاوف من أن تحل هذه التقنية محل المبدعين البشر. غير أن تجربة السينما في التعامل مع التلفاز توضح أن التكنولوجيا لا تعني بالضرورة الإلغاء أو التهديد، بل قد تكون عامل تمكين وتطوير إذا ما أُحسن استخدامها.


ويُشير الإضراب الذي نفذه الكتاب والممثلون في هوليوود عام 2023 إلى استعداد الصناعات الإبداعية للدفاع عن دور الإنسان في العملية الفنية. كما يؤكد تاريخ هوليوود أن التكيف والابتكار لا يزالان سلاحين رئيسيين في مواجهة التغير.


مثلما لم يؤدِّ ظهور التلفاز إلى نهاية السينما، بل إلى إعادة تشكيلها وتطورها، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون حافزاً جديداً للإبداع، لا عدواً له. أن يكون منافساً لكنه متعاوناً.. التحدي الحقيقي يكمن في كيفية استخدام هذه الأدوات بطرق تُثري العمل الإبداعي ولا تُفرغه من معناه، مع الحفاظ على حقوق المبدعين ودورهم المحوري في تشكيل الثقافة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق