إعلام الجنائز وأعلامه

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إعلام الجنائز وأعلامه, اليوم الأحد 11 مايو 2025 12:34 صباحاً

ظاهرة بدأت تسري وتنتشر في مجتمعاتنا الطيبة، إلا وهي توثيق العزاءات وتحويل سرادقاتها إلى كرنفالات عامة، توثق الحركات والسكنات والملاحم الكلامية التي تصاحب هذه التظاهرات الاجتماعية الأصيلة، فترتفع فيها عقائر بعض الظواهر الصوتية التي تجد في المكان والزمان فرصة ذهبية لتقول ما لا تفعل.

في وقت مضى كان للموت هيبته وحزنه الذي يخيم على ذوي الفقيد وأهله وعشيرته الأقربين، ومحيطهم الذي يعيشون فيه، كان الموت يمثل للجميع حالة من حالات التفكر والتدبر في هذه الحياة ومآلاتها الأخيرة، المتمثلة في لحظة الفراق ومغادرة الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة.

فى هذه الأيام أصبح العزاء - عند البعض - في ظل هذا الغزو الالكتروني؛ أشبه ببرامج زد رصيدك، الأغلب يحاول أن يصطاد اللحظة الكلامية الفارقة، من خلال لقطة مؤقتة بين صانع المحتوى والشخصية التي تبحث عن الظهور والانتشار، السنابي أو التكتكي يعيش أزهى أيامه، ففي مثل هذه النوازل والفواجع الاجتماعية يتحول إلى نائحة مستأجرة، يتباكى على الفقيد بلا دعاء ولا دموع، يساعده ويشد عوده حالة الاكتفاء الغذائي الذي تشهده هذه التظاهرات الجنائزية، فالموائد تحضر وتحضر بعناية فائقة، فيصبح هذا السنابي / التكتكي في نعمة ونعيم، يأكل ويشرب مما لذ وطاب، ثم يرفع كاميرته لرصد القادمين والعائدين إلى المكان، يلتقط زوايا محددة لأبطال وهميين، على طريقة (صورني وكأني ما أدري)، ثم ينعم على هذه الشخصية بمديح زائف، يعلم في قرارة نفسه أنه يكذب وأن الجميع يعرفون أنه يكذب، ولكنه (الشو) وما يقتضيه من لقطات مهندسة ومؤقتة، تخرج لتؤرشف هذا العزاء وتبقيه في الذاكرة الجمعية للناس ردحا من الزمن.

وحتى يحلل السنابي/ التكتكي المبلغ الذي دفع له مقدما، يختار ضيوفه من السذج الذين يقولون ما لا يفعلون، ثم يبدأ بمحاورتهم حوارات سخيفة تعكس مستوى ضيف الغفلة وصانع هذا المحتوى الركيك الذي ينتشر في المجتمع سريعا. ومن صور التغطيات التي يمارسها هؤلاء المجانين، أن يقوم بإدارة (كاميرته) في مجلس العزاء، ويقوم بتصوير الجميع ثم ينعم على بعض الشخصيات بألقاب من عنده، فهذا السهم الملتهب وذاك كريمان وهي صيغة مبالغة مجتمعية لصفة الكرم، وآخر البحر، وهلم جر، كل ذلك يصب في إخراج مسرحي ساذج بعيدا عن المهنية أو الفبركة المدروسة، والتي ستقبل على مضض لو كانت معقولة، ولكنه إخراج سطحي باهت بارد يرسخ مفهوم السذاجة عند هؤلاء المشاهير.

وما أن ينتهي هذا السنابي / التكتكي من هذه الفاجعة حتى ينتقل إلى مجلس عزاء آخر، يقيم فيه ثلاثة أيام متواصلة، مبتعدا عن أسرته، متفرغا لتغطية هذا الاحتفال الجنائزي، همه من وراء ذلك المال والمال فقط، فيما المنتفعون والملمعون يشدون على يده ويطلبون منه تغطيات أوسع وأشمل، تعكس مكانتهم، لا مكانة الفقيد، ونشوتهم بالتظاهرة المصاحبة لموته، فهي فرصة لهم لاستعراض ملابسهم وسياراتهم وخطبهم الكلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولعل من محاسن هذا التوثيق الهزلي للمرحلة والتاريخ، أنه سيبقى شاهدا على عصر إعلامي هابط، سمي بالإعلام الجديد، نكاية في القديم وعصره ورواده، وشاهدا على صناع لمحتوى أقل ما يقال عنهم؛ أنهم غير جديرين بالمتابعة والاهتمام، وشاهدا على شخصيات هلامية، وجد كل فريق ضالته وضلاله في الآخر، فكانوا متنا وهامشا لهذا الطرح الإعلامي السخيف، الذي انتشر انتشار النار في الهشيم، ومن هنا فإن القادم من صرعات هؤلاء المشاهير ينذر بسوء أكبر، وتسطيح أكثر لقيمنا الاجتماعية الأصيلة، التي أعاد صياغتها هؤلاء التافهون من خلال حضورهم المسيء وتكسبهم المقيت على حساب عادات وتقاليد نشأ الإنسان الأصيل عليها وتربى، يكفي أن العزاء خرج عن أجوائه الحزينة التي كانت تتغشى الجميع، ليتحول إلى كرنفالات كلامية أبطالها مجانين وراصدوها وصناعها من الهُبل، وقديما قالوا: (رزق الهُبل على المجانين).

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق