دبلوماسية المسار الثاني ومراكز الأبحاث

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
دبلوماسية المسار الثاني ومراكز الأبحاث, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 02:57 صباحاً

يمثل المسار الثاني في العمل الدبلوماسي (Track 2 diplomacy) أحد أهم أساليب الدبلوماسية غير المباشرة، تلك التي تبتعد عن محاذير الدبلوماسية الرسمية السرية، وتعتمد في المقابل على جهات فاعلة غير حكومية، وبالتالي غير رسمية.

يهدف المسار الثاني إلى مناقشة المشكلات العالقة بعيدا عن الأضواء، بمنأى عن سلطة وضغط وحاكمية القرار الرسمي، بهدف الوصول إلى صيغة مناسبة لتعزيز السلام وحل النزاعات بين مختلف الأطراف المتنازعة، ولعل أفضل من يقوم بذلك هي مراكز الأبحاث المهنية الجادة والتي تملك القدرة على فتح حوار معمق حول مختلف الإشكالات الحاصلة، ومناقشتها بمنهجية هادئة بعيدا عن أي ضغوط من أي نوع كانت.

وتكمن أهمية المسار الثاني في كونه يسمح بتجاوز القيود الرسمية، كما يتيح التواصل والتبادل خارج القنوات الدبلوماسية، وهو ما يساعد على بناء الثقة والتأسيس لعلاقات متينة بين مختلف الأطراف، ويسهم في معالجة جذور الصراع ودعم حلول ناجعة، كما يعزز الفهم المتبادل بين مختلف الأطراف المتعارضة.

أشير إلى إمكانية الاستفادة من سياسة دبلوماسية المسار الثاني بشكل منفرد، بمعنى أن يكون ذلك من جهة واحدة، إن تعذر أن يكون من الطرفين، وأقصد أن تهتم الجهة الرسمية المعنية بمعالجة الإشكال بوجود خط اتصال آخر غير رسمي، موثوق من الجهتين، بهدف فتح حوار مباشر مع الطرف الآخر، وتأسيس مسار تفاوضي متين يُنهي كل مظاهر الإشكال المختلف حولها، ويُؤسس لعلاقات متينة بعد زوال كل غبش وفهم خاطئ، انطلاقا من مركزية الثابت المتفق عليه، ومروحة المتحرك ضمن الإطار والمسافة المتفق عليها أيضا.

أخيرا، ما أحوجنا اليوم إلى أن نستفيد من هذا المسار في حل كثير من بؤر الصراع في المنطقة والإقليم، لا سيما في الحالات التي تكون فيها المفاوضات الرسمية معقدة أو غير فعَّالة. والمهم أن يتولى ذلك أشخاص أكفاء يملكون مهارات متنوعة، ليس أولها الموثوقية، وليس آخرها الفطنة والإلمام والهدوء ووسع الأفق وحسن الاستماع وإجادة مهارة الذكاء العاطفي، علاوة على أن يكونوا غير مجروحين لدى الطرف الآخر بقول قالوه، أو فعل قاموا به أساء بشكل واضح.

ذلك أن دبلوماسية المسار الثاني تقوم على تصالح الأفئدة أو على الأقل حيادها إزاء بعضها البعض، للوصول إلى حل يُرضي الجميع، ولنا في مفاوضات صلح الحديبية بين سُهيل بن عمرو والنبي عليه الصلاة والسلام مثالا يُحتذى، مع الإشارة إلى أن قريشا حين اختارت سُهيلا، قد أدركت بأنه سيكون مقبولا لدى الطرف الآخر، لكونه لم يوغل في الخلاف مع النبي وصحبه، مع احتفاظه بولائه المطلق لقومه قريش.

وفي العصر الحديث، تتعدد صور المفاوضات الناجحة لدبلوماسية المسار الثاني، كما الحال في جنوب أفريقيا في فترة ما بعد الفصل العنصري، حيث لعبت منظمات المجتمع المدني دورا في بناء الثقة والتعاون بين مختلف المجموعات؛ كذلك الحال في مفاوضات إيرلندا الشمالية، والتي ساهمت جهود المسار الثاني في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، مما مهد الطريق لإجراء مفاوضات رسمية بعد ذلك؛ ومثلها في البلقان، حيث ساهمت الحوارات غير الرسمية التي شارك فيها خبراء وأكاديميون وقادة دينيون في بناء الثقة وتسهيل التعاون بين المجتمعات المختلفة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق