تِيْهُ الغَرَام، هي رواية حقيقيّة موثَّقة، توثيقاً مُحْكماً، وهي تروي أحداث بعثة محمد رضا بيك، إلى فرنسا.
تبدأ هذه الرواية من حيث انتهت رواية الجريئة، ماري كلود بِتي «Marie Claude Petit»، التي انتهت بالفشل، لعدم الحصول على مساعدة من فرنسا لمقاومة نشاط العمانيين في الخليج العربي.
إخفاق الفرس مراراً وتكراراً في الحصول على أيّ مساعدة بَحريّة من الإنجليز أو الهولنديين، لمقاومة عودة نشاط العمانيين على نطاق أوسع، أدى بهم إلى السعي مرة أخرى إلى الحصول على هذا النوع من المساعدة من فرنسا، وكانت النتيجة هي أن الحكومة الفارسية قررت إرسال مبعوث إلى البلاط الفرنسي.
(1) محمد رضا بيك مبعوث شاه فارس إلى فرنسا
عزم الشاه إرسال رد غير مستحسن إلى الملك لويس الرابع عشر «Louis XIV»، وكذلك البابا عن طريق آبيه جان ريتشارد 1 «Abbe Jean Richard».
بما أن آبيه جان ريتشارد كان في ذلك الوقت (شهر مايو عام 1713م) على وشك العودة إلى فرنسا، فقد استأمنه الشاه سلطان حسين على الهدايا التي أرسلها إلى لويس الرابع عشر، وأوصاه بتسليمها إلى محمد خان، حاكم بلدة يريفان 1 «Erivan»، عندما يصل إليها.
أرسل في الوقت نفسه أوامر إلى محمد خان باختيار شخص مناسب، ليكون مبعوثًا إلى فرنسا.
عندما تلقى محمد خان هذه الأوامر، وقع اختياره على قائد الفرسان المحلي، لكنه رفض الذهاب. عند ذلك طلب من محمد رضا بيك، عمدة يريفان وثالث أهم شخص هناك، أن يتولى هذه المهمة.
رغم علمه بأن الرحلة إلى فرنسا كانت طويلة، ومن المحتمل أن تكون خطرة، فقد قبلها محمد رضا بيك، وقد غادر السفير الذي تم تعيينه حديثاً، يريفان سرّاً في شهر مارس من عام 1714م.
كان محمد رضا بيك قد أرسل الهدايا المرسلة إلى لويس الرابع عشر قبله، وأخفاها بحرص بين أكوام من الحرير، وسبب هذه الحيطة هو خشيته من أن يُمنع من دخول تركيا إن انطلق مفصحاً عن وجهته، فالصعوبات التي واجهها جين بابتيست فابر1 «Jean – Baptiste Fabre» وغيره من المبعوثين على الأراضي التركية كانت لا تزال في الذاكرة.
لا حاجة إلى ذكر مغامرات محمد رضا بيك في تركيا بأي شيء من التفصيل.
يكفينا القول إن محمد رضا بيك رغم احتياطاته الشديدة قد شك فيه الأتراك مرة تلو الأخرى، وفي النهاية اعتقلوه ورموه في السجن، وقد حصل على حريته من خلال احتجاجه بأنه مجرد حاج في طريقه إلى مكة، ولكن السلطات التركية بعد أن أخذت بكلامه، وضعته على متن سفينة حجاج.
تمكن محمد رضا بيك من الهرب، وركب على متن سفينة فرنسية منطلقة من مدينة الإسكندرونة في تركيا، وقد استغرق ما يقارب الستة أشهر لعبور تركيا.
وصل محمد رضا بيك إلى مرسيليا في الثالث والعشرين من شهر أكتوبر عام 1714م، وقد قضى شهرين في مرسيليا، ورحلته الممتدة إلى باريس، وما تسببت فيه نزواته الغريبة، وثورات غضبه المفاجئة من مصاعب لتعيسي الحظ، الذين تم تكليفهم بمقابلته ومرافقته إلى العاصمة الفرنسية.
بعد طلبه شرفاً استثنائياً بدخول المدن الكبرى التي مر بها وحصوله عليه، وصل محمد رضا بيك إلى باريس في السابع من شهر فبراير عام 1715م، وأثار دخوله إلى المدينة الكثير من فضول العامة.
(2) محمد رضا بيك في قصر فرساي «Versailles»
بعد وصول موكب محمد رضا بيك إلى باريس، أخذ الموكب طريقه إلى فندق السفراء حيث سيقيم محمد رضا بيك.
لم تدم تلك الإقامة أكثر من عشرة أيام، حتى تقرر يوم استقبال الملك الفرنسي لويس الرابع عشر لمحمد رضا بيك، في التاسع عشر من شهر فبراير عام 1715م.
قام الملك لويس الرابع عشر باستقبال السفير الفارسي، محمد رضا بيك، رسمياً في قصر فرساي «Versailles».
أظهر العاهل الكهل لويس الرابع عشر تقديره لمجاملة الشاه، بإرساله محمد رضا بيك، من خلال ظهوره على عرشه في الصالة العظيمة في فرساي للمرة الأولى منذ سبع وأربعين سنة. بدا السفير مبهوراً بعض الشيء من المشهد الجليل، وقدّم احترامه للملك وسلّمه رسالة اعتماده.
بعدها وُضع الصندوق الذي به هدايا الشاه أمام الملك لويس الرابع عشر وتم فتحه، وقد نتج عن طبيعة تلك الهدايا المتواضعة ذات القيمة الضئيلة نسبياً شعورٌ مخيّب للآمال.
رسالة الشاه إلى الملك لويس الرابع عشر، ورسالة أخرى من حاكم يريفان إلى ماركيز دي تورسي «Marquis de Torcy»، وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، ومعهما شهادة آبيه جان ريتشارد، كفيلة بأن تقنع الملك ووزراءه بصدق بعثة محمد رضا بيك.
رغم ذلك استجوبت السلطات الفرنسية ماري بِتي بشأن ماضي السفير، فأخبرتهم أنها عرفت محمد رضا بيك عندما كانت في يريفان، وأنه كان فعلاً كالندار (عمدة) تلك البلدة.
كان هناك اعتقاد في البلاط الفرنسي بأن المفاوضات مع محمد رضا بيك لن تستغرق مدّة طويلة.
بعد المقابلة التي جرت في التاسع عشر من شهر فبراير عام 1715م مباشرةً، قام لويس الرابع عشر بتعيين ماركيز دي تورسي، وزير الشؤون الخارجية، وبونتشارترين «Pontchartrain» وزير البحرية، ونيكولاس ديماريتس «Nicolas Desmarets» مراقب الحسابات المالية، ليفاوضوا من طرفه محمد رضا بيك.
كان اختيار ثلاثة أشخاص رفيعي المستوى مثل هؤلاء له أهمية لسببين، أولاً أن ذلك يشير بوضوح إلى الأهمية التي أعطاها الملك للمفاوضات القادمة، وثانياً أن الوزراء الثلاثة جميعاً كانوا مقتنعين بضرورة العثور على منافذ للتجارة الفرنسية وراء البحار، ويفضل أن تكون على حساب الأمم المعادية أو المنافسة.
(3) محمد رضا بيك بين السياسة والغرام
في فندق السفراء، حيث يقيم محمد رضا بيك، وفي شهر مايو عام 1715م، كانت السيدة دي روسي «de Roussy» مع ابنتها الآنسة ديبينه «d’Epinay» تتناولان وجبة الغداء مع المترجمين الفوريين لقصر فرساي، وهم السادة: السيد بادري «Padery»، والسيد غودرو «Gudru»، والسيد ريتشارد «Richard».
في تلك الفترة وصل محمد رضا بيك إلى طاولتهم، فأجلسوه بجانب المترجم بادري، وقبالة الآنسة ديبينه.
منذ أن وقعت عيناه على الآنسة ديبينه لم تفارق عيناه وجهها الجميل، وقوامها الرشيق.
أخذ محمد رضا بيك يتحدث، وكأنه يتحدث إليها، وعندما يقوم بادري بالترجمة، يبقى محمد رضا بيك واجماً ومسلطاً عينيه على الآنسة ديبينه.
استأذن محمد رضا بيك من الجميع، لأن أكله كان يأتيه من خارج الفندق إلى غرفته، من مطعم يقدم الأكل الحلال، كما يدعي.
طلب محمد رضا بيك من بادري أن يذهب معه إلى طاولة أخرى، وهناك سأله عن تلك البنت الجميلة فقال:
إنها ديبينه، ابنة إحدى السيدات، السيدة دي روسي، وتبلغ ديبينه من العمر سبعة عشر عاماً، وهي جميلة للغاية. نشأت في مجتمع راقٍ إلى حد ما، اعتادت على ملذات باريس، وهي مسيحية الديانة، ومحتشمة ومعروفة بأنها ليست لعوباً ولا فاسقة.
قال بادري: إن الملك يطلب من الوزراء الفرنسيين إتمام المفاوضات، والإسراع بتوقيع محمد رضا بيك على الاتفاقية.
قال محمد رضا بيك: كيف أوقع على اتفاقية كتبت باللغة الفرنسية؟ لا بدّ من ترجمة الاتفاقية إلى اللغة الفارسية لأستطيع فهم ما بها.
ذهب بادري لترجمة الاتفاقية، وذهب محمد رضا بيك لترتيب لقاء مع الآنسة ديبينه.
تعلّم محمد رضا بيك بعض الكلمات الفرنسية، وهي دعوة السيدة دي روسي مع ابنتها الآنسة ديبينه إلى غرفته مساءً.
كان محمد رضا بيك يحصل على وجباته الغذائية في نفس غرفته، وشيئاً فشيئاً قام بترويض تلك الجميلة، ونجح في إبقائها معه طوال المساء حتى منتصف الليل أو الساعة الثانية صباحاً.
خلال النهار، وضعت هذه الصغيرة وأمها السيدة دي روسي حذاءيهما على حافة سجادة سعادته، وجلستا على وسائد في الجزء الخلفي من غرفة محمد رضا بيك، على غرار ما يحدث مع الحريم من بلاد فارس.
لم تشعرا بالخجل من هذا الوضع، بل قامتا بتقديم عرض لكل أولئك الذين جاءوا لزيارة الضيف الفارسي، محمد رضا بيك، رجالاً ونساءً. وعند الساعة الثامنة مساءً، أغلقت الشقة، وظلت الأم والابنة وحيدتين بداخلها مع محمد رضا بيك.
استمرت المفاوضات لمدة شهرين، واستمر محمد رضا بيك في اعتراضه على كل مادة في الاتفاقية حتى تطول مدة الغرام الذي وقعت فيه الآنسة ديبينه، ومحمد رضا بيك.
بينما لم يُذكر أبداً الهدف الحقيقي من بعثة محمد رضا بيك، ألا وهو التحالف ضد مسقط. في المقابل وفقاً لبادري (الذي لطالما كان يؤيد بقوة مشروع مسقط)، فقد تم الترتيب شفهياً بأن يذهب قائد بحري فرنسي اسمه جيرالدين «Geraldin» إلى أصفهان بصفته سفيراً ليس ليضمن تصديق الشاه على الاتفاقية الجديدة فَحَسْب، بل ليدرس كذلك البلد بعناية، ويدرس الترتيبات التي يجب إعدادها لتنفيذ مشروع مسقط، وهكذا إن كان سيتم البدء في ذلك المشروع فسيتم ذلك كما ينبغي.
تم الاتفاق كذلك على أن يذهب بادري إلى فارس أولاً برفقة محمد رضا بيك، لكي يقوم بالترتيبات اللازمة لوصول بعثة جيرالدين.
في الثالث عشر من شهر أغسطس عام 1715م، تمّ التوقيع على المعاهدة في قصر فرساي.
بعد توقيع الاتفاقية في قصر فرساي، قام محمد رضا بيك بتوديع الملك لويس الرابع عشر.
أصدر الملك لويس الرابع عشر، بتاريخ الثاني والعشرين من شهر أغسطس عام 1715م أوامره بخصوص السماح بسفر السفير محمد رضا بيك، وكذلك التوجيهات الصادرة إلى الولاة والنواب وغيرهم من المسؤولين، لتكريم محمد رضا بيك وفقاً للأعراف الرسمية، وتوفير ودفع تكاليف جميع المركبات التي ستقله من باريس إلى ميناء لوهافر «Le Havre» في الشمال الفارسي.
(4) صندوق الكتب الدينية
في الثلاثين من شهر أغسطس عام 1715م، غادر محمد رضا بيك باريس، في طريقه إلى ميناء لوهافر باستخدام القوارب، وقد تمّ تجهيز ثلاثة قوارب، أحدها للسفير محمد رضا بيك، والثاني للأشخاص المرافقين، في حين تمّ تخصيص الصندوق الثالث للأمتعة، ومن بينها صندوق الكتب الدينية.
في صباح يوم الحادي والثلاثين من شهر أغسطس عام 1715م، وصلت السيدة دي روسي إلى منزل السيد بادري مترجم الملك لويس الرابع عشر، وأخبرته عمّا جرى لابنتها ديبينه، في الليلة الماضية، فما كان من السيد بادري إلّا أن كتب رسالة إلى الملك لويس الرابع عشر، جاء فيها:
باريس، الحادي والثلاثون من شهر أغسطس عام 1715م،
«سيدي، حضرت إليّ السيدة دي روسي هذا الصباح وهي في حالة يرثى لها، وأبلغتني (بعد أن كتبت لي بالأمس) أن السفير الفارسي قد اختطف ابنتها، وأنها غادرت المنزل تحت جنح الظلام دون أن تأخذ معها أياً من الملابس.
ثم حاولت السيدة إقناعي بأن ابنتها تقيّة تتمتع بأخلاق رفيعة لدرجة لا تسمح لها بمنح نفسها لمسلم، لكن السفير جعل من نفسه مسيحياً لكي يتزوجها، وتم تعميده سراً بمساعدة قسيس أرمني أحضرته هي.
مع ذلك، أكدت لي الأم أنها ستحرص على عدم اتباعهم، وأنها تعتقد أن ابنتها تفضل التقاعد في الدير، بدلاً من تسليم نفسها لسلوك هذا الغريب الذي عرفت عنفه وسوء مزاجه، لذلك، أعتقد أنه، وبناءً على التقرير الذي يشرفني أن أقدمه لك عن هذه التناقضات والأكاذيب ستجدون من المناسب أن تكتب إلى السيد روجولت «Roujault»، المفتش العام في روان «Rouen»، حتى يتمكن من احتجاز الابنة والأم هناك، إذا أمكن الوصول إليهما. مع فائق الاحترام.
خادمك الأكثر تواضعاً وطاعة».
جاءت الأوامر من قبل الملك لويس الرابع عشر، للسيد بادري مترجم الملك، بإلقاء القبض على الآنسة ديبينه، ونقلها إلى مكان مناسب وآمن، حتى يتلقى أوامر أكثر تحديداً في ذلك الشأن.
في يوم الثلاثين من شهر أغسطس، كان محمد رضا بيك قد شرع في رحلته، ووصل إلى روان في مساء يوم الثاني من شهر سبتمبر، فأقام في المدينة حيث كان معه صندوق الكتب الدينية في مقر إقامته، وبعض الوزراء من حوله الذين جاءوا لوداعه.
أما المرسلون من قبل الحكومة الفرنسية لإلقاء القبض على الآنسة ديبينه، فلم يصلوا إلى مدينة روان حيث لم تصدر لهم الأوامر، لانشغال الجميع بوفاة الملك لويس الرابع عشر.
رجع الوزراء وبعض المسؤولين الفرنسيين، الذين كانوا في وداع محمد رضا بيك في مدينة روان إلى باريس، وانشغلوا بالمصاب الجلل وهو وفاة ملك فرنسا لويس الرابع عشر، تاركين محمد رضا بيك يستمتع بقراءة كتبه الخاصة بالعبادة.
كان محمد رضا بيك يستمتع بقراءة الكتب الدينية، كما كان يتحدث مع المرافقين له من المسؤولين الفرنسيين، وإذا الأمر قد جاء بالانتقال إلى ميناء لوهافر، حيث قبطان السفينة التي ستنقلهم إلى بطرسبورغ «Petersburg» يتطلع للإبحار بسبب الموسم القادم، حيث تكثر فيه العواصف ما يجعل الوقت ثميناً.
من مدينة روان ركب الجميع في السفينة الفرقاطة الملكية أستري «Astree» التي ستنقلهم إلى بطرسبورغ دون النزول في ميناء لوهافر، في الثاني عشر من شهر سبتمبر عام 1715م، حيث قام محمد رضا بيك بوضع صندوق الكتب الدينية في الحجرة المخصصة له في السفينة.
في عرض البحر، ضربت العاصفة السفينة أستري، فوقع محمد رضا بيك على سطح السفينة وتدحرجت عمامته، فقام بعض البحارة لمساعدته، وإذا بصوت استغاثة يأتي من الحجرة الخاصة بالسفير الفارسي محمد رضا بيك.
أسرعوا إلى هناك حيث وجدوا صندوق الكتب الدينية الخاصة بمحمد رضا بيك، قد انقلب وأصبح عاليه إلى الأسفل، وصوت أنين يأتي من داخله. قام البحارة وأخرجوا الصندوق إلى خارج الحجرة الخاصة.
عند محاولة البحارة فتح الصندوق، أسرع محمد رضا بيك لمنعهم من ذلك، لكن البحارة فتحوا الصندوق، وإذا به الآنسة ديبينه عشيقة محمد رضا بيك.
وصل الخبر إلى السيد بادري مترجم الملك، الذي تمّ تعيينه قنصلاً في شيراز، والمكلف بإلقاء القبض على الآنسة ديبينه، والمسؤولون الفرنسيون وجميع من بالسفينة، يحدقون بالصندوق، وإذا بصوت السفير الفرنسي بادري يقول لمحمد رضا بيك: «هذا فراق بيني وبينك، لن أرافقك في هذه الرحلة».
كان محمد رضا بيك قد أعدّ صندوقاً في مدينة شايلو «Chaillot»، وبه ثقوب للتنفس ووضع به مَرْتبة ومخدة، وأدخل الآنسة ديبينه بداخله، وأغلقه عليها، بمعاونة رئيس التشريفات، وأربعة من الفرس المرافقين له.
بعد أن وصلت السفينة الفرقاطة إلى كوبنهاغن «Copenhagen» تفرق ذلك الجمع، ليعود محمد رضا بيك وعشيقته إلى فارس.
(5) عودة محمد رضا بيك وحبيبته إلى فارس
بعد رحلة استغرقت واحداً وعشرين شهراً مليئة بالمغامرات والأحداث، وصل محمد رضا بيك إلى أصفهان في شهر مايو عام 1717م.
عندما وطأت قدما محمد رضا بيك في النهاية تراب وطنه من جديد، وجد أن سيده ورئيسه السابق محمد خان قد أقيل من منصب حاكم يريفان، الذي كان يتولاه، وحل محله أحد أبناء أخي فتح علي خان الداغستاني، اعتماد الدولة.
شعر السفير أنه سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تقديم تبرير مقبول لمماطلته، وأدرك تماماً أخيراً أنه قد تجاوز صلاحياته كثيراً في عقد المعاهدة مع فرنسا، لذلك لم يجرؤ على الذهاب إلى أصفهان، وإنما ذهب إلى مسقط رأسه، بلدة يريفان، فوصل إلى هناك في نهاية شهر مايو عام 1717م.
مما كان يدعو للقلق كذلك أنه اضطر إلى بيع عدد من هدايا الملك لويس الرابع عشر، التي أرسلها إلى الشاه من أجل الحصول على مال يغطي نفقات سفره.
وقد أقضّت هذه الأمور مضجعه، إلى درجة أنه سمّم نفسه بعد ثلاثة أسابيع من وصوله إلى يريفان، وبذلك بادر بنفسه وتجنب المصير الذي كان ينتظره حتماً فيما لو ذهب إلى العاصمة.
أما بالنسبة إلى الآنسة ديبينه، فقد اعتنقت الإسلام بعد انتحار محمد رضا بيك، ويقال إنها تزوجت أخاه، وقد نفّذت أحد واجبات السفير الراحل، حيث أخذت إلى البلاط الفارسي كُلَّ ما بقي من الهدايا التي عُهد إليه بها في باريس.
0 تعليق