«الإرث الرقمي» يحتاج إلى قانون يمنع نزاع الورثة

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في زمن تحولت فيه الهواتف الذكية إلى خزائن رقمية تحفظ أدق تفاصيل الحياة، لم تعد التركة تقتصر على العقارات والحسابات المصرفية، بل أصبحت تشمل الصور والرسائل وكلمات المرور والمحافظ الرقمية والعقود الإلكترونية وغيرها، لكن ما الذي يحدث لكل هذه البيانات بعد وفاة صاحبها؟ خصوصاً وأن ملف الإرث الرقمي لا يزال خارج التغطية التشريعية في كثير من دول العالم، حيث تتقاطع الاعتبارات القانونية والخصوصية والأمنية في مساحة رمادية، يتقدم فيها الواقع على النص القانوني.

لم يعد الهاتف المحمول بعد وفاة صاحبه مجرد وسيلة تواصل انتهى دورها، بل أصبح في الواقع مخزناً شخصياً بالغ الحساسية، يحتوي على معلومات وبيانات قد تؤثر بشكل مباشر على حقوق الورثة أو على سمعة أطراف آخرين، وقد يشكل أداة لإثبات وجود أصول مالية أو مستحقات خارجية، لا سيما في ظل انتشار المحافظ الرقمية والحسابات المشفرة.

هذا ما أكده المحامي والمستشار القانوني عدنان عبيد الشعالي، الذي لفت إلى أن الاطلاع على محتويات الهاتف بعد الوفاة لا يجوز من دون اتفاق جميع الورثة، حيث يمكنهم إسناد المهمة لأحدهم، إذا كان ذلك بغرض حصر التركة وإثبات حقوق الورثة، أما في حال وجود خلاف، فإن المرجع القانوني هو قاضي التركات في محكمة موطن المتوفى، والذي يملك صلاحية ندب خبير مختص لفحص الهاتف وبيان محتوياته ومطابقتها بما يخص المورث.

طلب رسمي

أشار الشعالي، إلى أن الهاتف قد يحوي معلومات حساسة تتعلق بحسابات مالية أو محافظ استثمارية خارج الدولة، وهنا يجب على الورثة تقديم طلب رسمي لمحكمة التركات لفتح ملف حصر الإرث، ومخاطبة الجهات المختصة محلياً ودولياً لجمع المعلومات واسترداد الحقوق، بمساعدة خبراء تقنيين معتمدين لفك رموز الحماية.

وبين الشعالي أن الهاتف يعد من المنقولات التي تدخل ضمن التركة بموجب أحكام قانون المعاملات المدنية، وبالتالي فلا يحق لأحد الورثة الاحتفاظ به بمفرده دون موافقة الباقين، وفي حال وقوع خلاف يلزم القضاء بتسوية المسألة قانونياً وضمان عدالة توزيع ما يحتويه الجهاز من بيانات تتعلق بالميراث.

أما من الناحية الجزائية، فأكد أن القانون الإماراتي يتعامل بصرامة مع أي استخدام مسيء أو غير مشروع لمحتويات الهاتف، فإذا أدى فتح الجهاز إلى تسريب أسرار عائلية أو خلافات بين الورثة، فإن المادة 44 من مرسوم القانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2021 تفرض عقوبة تصل إلى الحبس 6 أشهر وغرامة تصل إلى نصف مليون درهم لمن يعتدي على خصوصية الآخرين بوسائل إلكترونية.

جريمة معاقب عليها

وأوضح أن نشر محادثات أو صور خاصة بقصد التشهير أو الإيذاء يرقى إلى جريمة يعاقب عليها القانون وفق المادة 431 من مرسوم قانون العقوبات، حتى وإن كانت المعلومات المنشورة صحيحة، ويكمن جوهر التجريم في الاعتداء على الخصوصية وليس فقط في صحة الواقعة.

وحول القيمة القانونية للمحتويات الرقمية، فأكد أن القانون الإماراتي يعتبر البيانات والمراسلات الإلكترونية أدلة إثبات مقبولة بموجب المادة 43 من قانون الإثبات، سواء كانت مخزنة أو مرسلة أو متلقاة عبر وسائل تقنية، أما بشأن ما إذا احتوى على وصية إلكترونية غير موثقة، فإنها تصبح نافذة شرعاً وقانوناً إذا أقر بها جميع الورثة، لكن في حال إنكار أحدهم أو التشكيك بها، فيتعين على المستفيد (الموصى له) اللجوء إلى القضاء ورفع دعوى إثبات.

وأكد الشعالي ضرورة إصدار تنظيم قانوني واضح للتعامل مع الأصول الرقمية بعد الوفاة، حفاظاً على الخصوصية وضماناً للحقوق، وتفادياً لأي نزاع مستقبلي بين الورثة أو الأطراف ذوي العلاقة.

إشكالات قانونية

من جانبها، قالت المحامية والمستشارة القانونية ميثاء طالب البلوشي، إن تسارع التحول الرقمي في حياة الأفراد وتنامي الاعتماد على الهواتف الذكية في إنجاز المعاملات اليومية والمالية والاجتماعية، بات يطرح إشكالات قانونية معقدة لم تكن مطروحة سابقاً، أبرزها مصير المحتوى الرقمي للمتوفى، وهل يعد الهاتف وما فيه من بيانات جزءاً من التركة؟

وأوضحت أن القواعد العامة في القانون المدني الإماراتي تنص على أن جميع أموال المتوفى، سواء كانت منقولة أو غير منقولة، تدخل في إطار التركة الشرعية، وتنتقل إلى الورثة وفق أحكام القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 بشأن الأحوال الشخصية، وبناء عليه، فإن الهاتف المحمول يعد من الأموال المنقولة التي تورث.

ولفتت إلى أن الإشكالية الكبرى في محتوى الهاتف نفسه مثل الصور والرسائل والحسابات البنكية أو البيانات المخزنة في تطبيقات إلكترونية، إذ إن هذه المعلومات مصنفة قانوناً ضمن ما يعرف بالبيانات الشخصية ولا يجوز لأي طرف الاطلاع عليها أو نسخها دون اتباع الإجراءات القانونية حتى وإن كان من الورثة.

حماية البيانات

واستشهدت بالمادة 2 من القانون الاتحادي رقم 45 لسنة 2021 بشأن حماية البيانات الشخصية، والتي نصت بوضوح على أن البيانات الرقمية الخاصة تعد من الحقوق المحمية قانوناً، ولا يجوز التعامل معها أو الوصول إليها إلا بموافقة صريحة من صاحبها أو بموجب أمر قضائي.

كما أشارت إلى أن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 34 لسنة 2021 يجرم الدخول غير المصرح به إلى بيانات إلكترونية تخص الغير، ويعاقب عليه بالحبس والغرامة.

وقالت ميثاء البلوشي إن هذا التناقض بين حق الورثة في الاطلاع على محتوى الهاتف بوصفه جزءاً من التركة، ووجوب احترام خصوصية المتوفى وفقاً لقوانين حماية البيانات، يخلق فراغاً قانونياً يجب ملؤه بتشريعات واضحة، خصوصاً في الحالات التي تحتوي فيها الأجهزة الرقمية على معلومات حساسة، مثل محافظ العملات الرقمية أو الوثائق المالية أو عقود ملزمة للغير.

الوصية الإلكترونية

تطرقت ميثاء البلوشي إلى ما بات يعرف بالوصية الإلكترونية، وهي التي يعبر فيها المتوفى عن رغبته في توزيع جزء من أمواله عبر رسائل إلكترونية، أو ملفات محفوظة في الهاتف أو البريد الإلكتروني أو حتى تسجيلات صوتية، ورغم أن هذه الوسائل باتت شائعة في العصر الرقمي، فإن القانون الإماراتي لا يعترف بها شرعاً ما لم توثق رسمياً، وفق ما نصت عليه المادة 242 من قانون الأحوال الشخصية، التي تشترط أن تكون الوصية مكتوبة أو مشهودة من شاهدين، وألا تتجاوز ثلث التركة إلا بموافقة الورثة.

وأوضحت أن الوصايا الإلكترونية لا تعد نافذة قانوناً ما لم يعتمدها القضاء أو يتم توثيقها أثناء حياة الموصي، ما يفتح الباب أمام نزاعات محتملة بين الورثة، أو تجاهل رغبة المتوفى في حال عدم وجود شهود أو إثباتات رسمية.

وأوضحت أن استمرار التطور التقني يفرض على المشرع أن يبادر بإعداد قانون اتحادي خاص بالإرث الرقمي، يحدد صراحة حقوق الورثة وقيود الاطلاع، ويعرف بشكل واضح ما هي «الوصية الرقمية»، والجهة المختصة بفحص الأجهزة وفك تشفير البيانات عند الحاجة. مؤكدة أن «القوانين الصامتة لا يمكن أن تواكب ضجيج البيانات في زمن الهوية الرقمية، مضيفة إذا كنا نحترم كرامة الإنسان حياً، فمن الأولى أن نصونها بعد وفاته».

إطار قانوني

أكد المحامي والمستشار القانوني عمر العوضي، أن الهاتف المحمول بعد وفاة صاحبه يعد من الممتلكات التي تدخل ضمن التركة، ويجب التعامل معه وفقاً لأحكام الميراث المنصوص عليها في القانون.

وأوضح أن ملكية الهاتف، بما في ذلك محتواه الرقمي، تنتقل إلى الورثة، ولكن ليس بشكل عشوائي أو فوري، بل ضمن إطار قانوني يحترم خصوصية المتوفى ويوزع الحقوق بشكل عادل بين الورثة.

وقال إن فتح الهاتف والاطلاع على محتواه دون قرار قضائي أو إذن من جميع الورثة يعد مخالفة قانونية، لا سيما إذا تضمن ذلك الدخول إلى حسابات إلكترونية ورسائل خاصة أو بيانات بنكية حساسة، فبعض البيانات قد تحتوي على معلومات تمس بسمعة أشخاص أحياء، وقد تؤدي إلى مشاكل عائلية أو حتى قضايا تشهير إن تم تداولها.

وأشار إلى أن الهواتف الذكية باتت تحتوي على أكثر من مجرد صور أو رسائل، بل قد تشمل محافظ إلكترونية أو حسابات استثمارية أو عملات رقمية أو بيانات مهمة مرتبطة بمصالح مالية داخل الدولة وخارجها، لذا فإن التعامل مع هذا النوع من المعلومات يتطلب إجراءات دقيقة، وقد يحتاج إلى تدخل الجهات المختصة أو إصدار أوامر من المحكمة المختصة.

ضمن كشف التركة

وحول مسألة احتفاظ أحد الورثة بالهاتف دون علم الآخرين، أوضح أن ذلك لا يجوز قانوناً، ما لم يتم التوافق بين الورثة أو صدور قرار قضائي بذلك، مشدداً على أن الهاتف ومحتواه يعتبران من «الموجودات التقديرية»، التي يجب أن تدرج ضمن كشف التركة.

أما إذا قام أحد الورثة باستخدام محتويات الهاتف للإساءة إلى شخص آخر أو لنشر أسرار عائلية، فإن القانون يجرم هذا التصرف بوضوح، خاصة في ضوء قوانين الجرائم الإلكترونية في دولة الإمارات، والتي تعاقب بشدة على التشهير ونشر البيانات دون إذن أو انتهاك خصوصية الأفراد حتى بعد وفاتهم.

وأكد العوضي، أن دولة الإمارات لديها قوانين وتشريعات سباقة وتواكب التطورات والمتغيرات لحماية المواطنين والمقيمين، ولا يدخر المشرع جهداً في تعديل أو إضافة قوانين تساعد على تجنب النزاعات العائلية أو القانونية الناشئة عن سوء استخدام المعلومات المخزنة على الهاتف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق