تحقيق: محمد نعمان
مع بدء العدّ التنازلي لاختبارات نهاية للعام الدراسي، تتغيّر إيقاعات الحياة في أغلب المنازل، وتدخل الأسر والمدارس في سباق مشترك هدفه اجتياز هذه المرحلة بسلام نفسي وأداء أكاديمي جيد، لكن تصاعد الضغوط يحوّل الاختبارات إلى عبء ثقيل يؤثر في الصحة النفسية للطلبة ويضعف نسب التركيز، وهو ما دفع عدداً من المدارس لإطلاق حملات توعية موجهة إلى أولياء الأمور، تتضمن نصائح عملية تركز على تخفيف الضغوط وتقديم الدعم للأبناء بدلاً من اللوم أو العقاب.
وتحتاج فترة الاختبارات إلى دعم كامل للطلبة وتهيئة أجواء مناسبة للاستذكار، ووفقاً لأطباء نفسيون، فإن القلق ليس خطراً بحد ذاته، بل تتحول خطورته حين يُترك دون احتواء، وحذروا من أساليب التربية التي تزرع الخوف من الفشل، معتبرين أن البيئة الأسرية، إما أن تلعب دوراً جوهرياً لتهدئة الطالب أو تدفعه للانهيار، خاصة إذا غابت لغة التعاطف.
في هذا التحقيق ترصد «الخليج» الأسلوب الأمثل للاستعدادات للاختبارات من الزاوية النفسية، وتستعرض مواقف وتجارب أولياء الأمور، كما تستطلع آراء الخبراء حول الخبراء حول التعامل مع هذه الفترة.
وهنا، يتعاظم دور الأسرة كشريك تربوي أساســي، حيث يُنتظر من الوالدين المشاركة في تنظيم أوقات الدراسة، وتهيئة الجو النفسي والاجتماعي والغذائي المناسب، وتعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم، حيث إن المذاكرة الفعّالة لا تبدأ من الكتب، بل من بيئة آمنة ومستقرة، تشعر الطالب بأن الامتحان تحدٍّ يمكن تجاوزه لا تهديدٌ يجب الخوف منه.
تقول الدكتورة سريفيديا سرينيفاس، أخصائية نفسية، إن فترة الاستعدادات للاختبارات غالباً ما تكون مصحوبة بجملة من المؤشرات النفسية التي تتفاوت في شدتها من طالب لآخر، وهي مؤشرات ترتبط بعدة عوامل منها العمر والشخصية وضغط التحصيل الأكاديمي، وآليات التأقلم الفردية.
وأوضحت أن أبرز هذه المؤشرات تشمل القلق الذي يظهر في شكل توتر مفرط وقلة في الصبر وانشغال دائم بالنتائج، ما ينعكس سلباً على التركيز والمستوى الدراسي، إضافة إلى اضطرابات النوم خلال هذه الفترة، حيث يعاني بعض الطلاب الأرق. أيضاً قد يشكو بعض الطلاب من آلام جسدية ليس لها مبرر طبي واضح، مثل الصداع المتكرر وآلام المعدة، والإرهاق العام، أو تظهر عليهم سلوكيات التجنّب، مثل التهرب من الدراسة أو الانعزال الاجتماعي أو المماطلة، وكلها تشير إلى وجود ضغوط نفسية.
وأكدت د. سريفيديا سرينيفاس، أن بعض هذه السلوكيات قد تبدو طبيعية في البداية، إلا أن استمرارها أو تصاعدها يحتاج إلى تدخل طبي، ولفتت إلى ضرورة تمييز الأهل بين القلق الطبيعي والمفرط، حيث إن الطبيعي يُعد جزءاً من النمو النفسي للأطفال، ويمكن أن يكون محفّزاً للإنجاز، لكنه يتحوّل إلى مصدر قلق طبي حين يصبح مزمناً أو مبالغاً فيه.
وأشارت إلى مجموعة من العلامات التي يمكن للأهل مراقبتها، منها استمرار القلق وشدته، وتأثيره على الأداء المدرسي أو رفض الطفل الذهاب إلى المدرسة، وظهور أعراض جسدية متكررة غير مفسرة طبياً.
وحذرت من الأفكار السلبية المتكررة والسلوكيات التجنّبية وضعف تقدير الذات، والنقد الذاتي المستمر، وأكدت أهمية التدخل المبكر والتوجه إلى أخصائي نفسي عند ملاحظة استمرار هذه الأعراض أو تفاقمها، لضمان تقديم الدعم النفسي في الوقت المناسب.
المناخ العاطفي
أوضحت د. عايدة السحيمي، أخصائية علم النفس السريري، أن المناخ العاطفي داخل الأسرة يشكل عاملاً حاسماً في استعداد الطلاب النفسي لفترة الامتحانات، مشددة على أن التواصل الأسري الإيجابي والداعم يمكن أن يكون الفارق بين طالب يواجه الامتحانات بثقة واتزان، وآخر يرزح تحت ضغط التوقعات والخوف من الفشل.
وقالت إن البيئة المنزلية ليست مجرد مكان للدراسة، بل هي الإطار العاطفي الذي يتكوّن فيه شعور الطالب بالأمان أو القلق، فعندما يُقابل الطالب بدعم هادئ، وكلمات تشجيع حقيقية تركز على الجهد لا النتائج فقط، فإن ذلك يعزز ثقته بنفسه، ويمنحه القدرة على التركيز والتوازن خلال فترة الامتحانات.
وأوضحت أن أسلوب التحفيز القائم على الخوف أو المقارنة يمكن أن يحوّل الامتحانات إلى مصدر تهديد دائم، داعية الأهالي إلى تبنّي لغة تحفيزية قائمة على التعاطف، بدلاً من طرح أسئلة تحمل ضغوطاً. وشدّدت على أهمية بناء روتين يومي ذكي يشمل فترات راحة ونوماً كافياً، وتوفير أجواء منزلية خالية من التوتر والصراخ، قائلة إن الطالب الذي يشعر بالطمأنينة في بيته يكون أكثر قدرة على تقديم أفضل ما لديه أكاديمياً وعاطفياً.
وأضافت أن النجاح لا يُقاس فقط بالدرجات، بل بمدى قدرة أبنائنا على الحفاظ على صحتهم النفسية أثناء التحديات، لأننا نربّي جيلاً لا نريده فقط أن ينجح، بل أن يزدهر بثقة وهدوء.
مفتاح التفوق
اعتبر أولياء أمور عبر حلقات تعليمية رقمية ومجالس نقاشية، أن الجانب النفسي لأبنائهم خلال فترة الامتحانات لا يقل أهمية عن الجوانب الدراسية، بل قد يكون مفتاح التفوق الحقيقي، وأشاروا إلى أن الاستعداد النفسي والعاطفـــي يبـــدأ من طريقة تعامل الأسرة والرسائل اليومية التي يتلقاها الأبناء حول قيمة الجهد مقابل النتيجة.
وتحكي منى سالم، أمٌّ لطالـــب فـــي الصف العاشر، عن تجربتها وتقول إنها أدركت متأخراً أن هدوءها خلال فترة اختبارات نهاية العام ينعكس مباشرة على ابنها، حيث كانت تضغط عليه بشكل مستمر، مما يجعله يفقد تركيزه ويتردد في السؤال أو المراجعة، لكن عندما بدأت تشعره بالثقة والأمان، تحسّنت نفسيته بشكل ملحوظ.
فيما يؤكد عبدالله حسن، والد لطالبة في الصف التاسع، أن مشاركة الأب في تنظيم وقت الأبناء تعني الكثير، ولفت إلى أنه خصص وقتاً يومياً لابنته، ليس لمجرد المذاكرة، بل لدعمها نفسياً، حيث كان يقول لها إنها ليست وحدها وأنه يثق بها مهما كانت النتيجة.
أما فاطمة علي، أمٌّ لطالبين في الصفين العاشر والثاني عشر، فترى أن الخطأ الأكبر هو المقارنة بالآخرين، حيث إن لكل طفل قدراته، وأشارت إلى أنها بدأت تلاحظ أن ابنها يتراجع مستواه عندما يسمعها تمدح أبناء الأقارب، لذا توقفت تماماً عن ذلك وركزت على تطور ابنها لا على سباق وهمي.
وهو ما أكدته أيضاً مريم الحمادي، والدة طالب بالصف الحادي عشر متقدم، وأشارت إلى وجود مثل هذه المقارنات بين الطلبة داخل عائلاتها، حول من منهم نجح في الحصول على درجات أعلى من نظيره، وهو - على حد قولها - ما كان يشكل ضغطاً على ابنها، وهو أمر بالغ الصعوبة، لكن هذه المرحلة تكون صعبة على الأبناء وأولياء الأمور أيضاً.
دعم متكامل
بادرت العديد من المدارس بتنظيم ورش عمل تفاعلية وجلسات دعم نفسي بالتعاون مع مختصين، لتهيئة الطلاب للتعامل مع الضغوط بمرونة وهدوء، كما حرصت على توجيه المعلمين لتخفيف حدة التوتر في الصفوف، وتبنّي أساليب تشجيعية تعزز من ثقة الطلبة بأنفسهم بدلاً من التركيز على العقاب أو التهديد.
فيما قامت مدارس أخرى بتخصيص حصص للاسترخاء الذهني وتمارين التنفس، وتوفير بيئة صفّية هادئة خلال الأسابيع التي تسبق الامتحانات، في محاولة لاحتواء القلق وتحويله إلى دافع إيجابي، حيث يعكس هذا التوجه وعياً متنامياً لدى المؤسسات التربوية، بأن النجاح في الاختبارات لا يعتمد فقط على كمية المعلومات، بل على حالة الطالب النفسية ومدى شعوره بالأمان والدعم.
وأكد تربويون، أن التعامل التربوي السليم خلال فترة الامتحانات يجب أن ينطلق من فهم عميق للضغوط النفسية التي يواجهها الطلبة، لا من مضاعفة التوقعات والضغوط الخارجية، وشددوا على أن البيئة التعليمية الداعمة، سواء في البيت أو المدرسة، تُعد عاملاً محورياً في تشكيل تجربة الامتحان كفرصة للنمو والتعلم، لا كمصدر للرهبة والانهيار.
ويقول التربوي عبد العزيز الشحي، إن الطلاب لا يحتاجون فقط إلى مراجعة أكاديمية، بل لمن يُطمئنهم بأن الخطأ جزء من مسار التعلم، وأن النتيجة لا تختزل قدراتهم، واعتبر أن التركيز على التقدّم الفردي لكل طالب ومقارنته بنفسه لا بغيره، هو الأسلوب الأنجع لتعزيز الدافعية الذاتية والثقة بالنفس.
من جانبة، شدد داوود الزعابي، تربوي وأكاديمي، على أهمية بناء علاقة إنسانية بين المعلم والطالب تقوم على التفاهم والدعم، لا التوبيخ والتوقعات غير الواقعية، مشيراً إلى أن بعض المدارس بدأت بالفعل بإدماج جلسات الدعم النفسي والإعداد الذهني ضمن جداول المراجعة كجزء من استراتيجية شاملة تدمج التحصيل الأكاديمي بالسلامة النفسية، وهي خطوات تمثل انتقالاً تدريجياً نحو نموذج تعليمي أكثر وعياً بالاحتياجات النفسية الحقيقية للمتعلمين.
توعية بالآثار السلبية لارتفاع ضغط الدم
أكدت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، أهمية الانتباه إلى الآثار الجسدية المصاحبة لحالة القلق والتوتر خلال فترة الامتحانات، خصوصاً ارتفاع ضغط الدم لدى الطلبة.
وبيّنت عبر نشرات توعوية تم توزيعها على عدد من المدارس، أن التوتر النفسي المزمن يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات مؤقتة في ضغط الدم، وأن بعض الطلاب قد يعانون صداعاً مفاجئاً وخفقاناً، أو شعوراً عاماً بالإرهاق، وهي أعراض قد تكون مرتبطة باستجابة جسدية للضغط النفسي.
وشددت الوزارة على أهمية الوقاية عبر تبنّي عادات صحية تشمل النوم الكافي والتغذية المتوازنة وتخصيص وقت يومي للاسترخاء بعيداً عن الدراسة، كما أوصت الطلبة بممارسة تمارين التنفس العميق وتقنيات الاسترخاء الذهني، مؤكدة أن الاستعداد النفسي السليم لا يقي من التوتر فحسب، بل يساهم أيضاً في الحفاظ على الصحة الجسدية العامة خلال موسم الامتحانات.
نظام غذائي
تُحدث التغذية السليمة فرقاً كبيراً في تركيز الطلاب وصحتهم، وهو ما يُحسّن من الأداء الذهني، هذا ما أكدته الدكتورة سينثيا بو خليل، اختصاصية التغذية، وقالت «إنه من الضروري أن تناول الطلاب أطعمة غنية بالأوميغا-3 مثل السلمون والجوز، إلى جانب الكربوهيدرات المعقدة مثل الشوفان والأرز البنّي، لأنها توفّر طاقة مستمرة وتعزز وظائف الدماغ».
ولفتت إلى أن الفواكه الغنية بمضادات الأكسدة مثل التوت والبرتقال، والخضراوات الورقية مثل السبانخ، تلعب دوراً في حماية خلايا الدماغ، كما أن الوجبات الخفيفة الغنية بالبروتين كالحبوب والمكسرات والبيض تساعد في الحفاظ على التركيز لفترات أطول.
وأوضحت أن اختيار المشروبات يلعب أيضاً دوراً محورياً، وأوصت بشرب المياه كخيار أساسي للترطيب، والشاي الأخضر كبدائل أفضل من القهوة، أما العصائر الطبيعية، فهي مفيدة إذا تم تناولها بكميات معتدلة، كما أن النوم الكافي والتغذية المتوازنة وفترات الاستراحة النشطة، عناصر لا غنى عنها لتحقيق أفضل أداء ذهني ونفسي خلال الامتحانات.
0 تعليق