نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زاهي حواس ممثل لواقع معرفي هزيل, اليوم الأحد 1 يونيو 2025 12:34 صباحاً
في كتابه المهم «شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان» تحدث الكاتب المصري جمال حمدان عن السمات المؤثرة في شخصية مصر وأهلها، والتي ناقشها من أربع زوايا كبرى مزج فيها بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة والعلوم الطبيعية والإنسانية والتطبيقية، وكان موفقا في استعراضه لملامح الشخصية ومكامن قوتها، والعوامل المؤثرة فيها بالشكل الذي جعلها مميزة بما أنتجته من علماء وأدباء وشخصيات سياسية كبيرة، كان لها بشكل منفرد وبخاصة مع ابتداء القرن العشرين وحتى الثلث الأخير منه، الأثر الإيجابي الكبير على كل الوطن العربي شرقا وغربا، وعلى مختلف التخصصات والمجالات.
لكن وهجها المعرفي أحذ في الخفوت تدريجيا، وانعكس سلبا على مختلف القطاعات المصاحبة تعليميا، وإعلاميا، وموسيقيا، وسينمائيا، وكان أن أثر ذلك في طبيعة تكوين الشخصية، وقلب معادلة التحديث فيها رأسا على عقب، ليصبح الهامش متنا، ويتحول المتن إلى هامش معزول في آخر صف لا يُسمع له صوت.
على أن ذلك لم يقف بتأثيره السلبي على مصر وحسب، بل انعكس على عديد من الدول العربية المرتبطة ثقافة ووجدانا بالحالة المصرية، ولا غرابة في ذلك إذا ما أدركنا بأن مصر هي قلب الوطن العربي، وهي بمثابة الأم الرؤوم التي إن استعادت قوتها أمكنها جمع شمل أولادها الذين تباعدوا جراء وهنها وسقمها الشديد.
حين تأخرت مصر معرفيا، وتقلص ثم توقف عداؤوها المعرفيون في سباق التتابع عن إكمال المسير، أخذ الوهن يظهر عليها، لكنها وبدل أن تستفيق وتأخذ مركزها المستحق في سباق التتابع الحضاري، وهو ما يستدعي المكاشفة والتحديث، ويستلزم إدراك أوجه القصور والخلل، أخذت تقفز إلى الأمام باستحضار الشخصية المصرية القديمة، والركون إليها بصورة مظهرية فقط، لكن ذلك لم يغير في المعادلة الحضارية شيئا بقدر ما زاد من سوئها حتى بات مجعجعو المهرجانات بألفاظهم السوقية مطربين يمثلون الشخصية المصرية، وافتقدت الساحة الإعلامية لشخصيات رزينة بعيدا عن الصخب الصوتي وفذلكة المواقف بجمل وكلمات لم يعد لها أي تأثير، ناهيك عن فقد السينما المصرية العظيمة علاوة على تلك المسلسلات الكبيرة التي شكلت جميعها وعي الشارع العربي بأكمله، لهويتها المعرفية والتي ترجمها أبطال عظام، كتابا ومخرجين وممثلين.
ما أحوج مصر اليوم إلى أن تنتفض وتزيل عنها كل الأرجوزات الذين عبثوا بموسيقاها الطربية، وتعيد إلى إعلامها رصانته المهنية، وقبل ذلك وبعده تستعيد وهجها المعرفي الصحيح بعيدا عن حالة الانتفاخ الوهمية التي باتت مسيطرة على وعيهم وسلوكهم العلمي، وما لقاء العالم الأثاري المصري الدكتور زاهي حواس بجو روغان إلا نموذجا لهذا السلوك الزائف مظهرا وإدراكا، ليظهر الدكتور حواس وكأنه ممثل لشخصية مزيفة تنتحل صفة عالم، تصورت بأن فذلكة الحديث غير العلمي، ونفخ السيجار بصورة عبثية، هما الشكل الأسمى الذي يجب أن يكون عليه العالم، فخسر خسرانا كبيرا، وأساء إلى نفسه ووطنه إساءة بالغة، وهو ما يفرض على الواعين فتح باب المحاسبة والمراجعة بصدق وشفافية لإيجاد الحلول العملية للخروج من حالة التسطيح التي استبدت بالذهنية المصرية، والعمل على استعادة شخصية مصر التي أنتجت العظماء على مختلف الأصعدة السالف ذكرها، وليس الهذرمة ورفع الصوت بصخب لا يسمن ولا يغني.
0 تعليق